الاثنين، 24 أكتوبر 2011

رفعت الأقلام وجفت الصحف من المقالات المنشورة للشيخ مشعل مالك محمد الصباح

المقال الذي فجر الكثير من قضايا الفساد
ــــــــــ
( رُفـِـعــَـــــــــت الأقــــــــــلام وجـــَـــفــــَّـــــــــت الــصُـحـــُــــــــف )

عندما تتداخل الاتجاهات، وتتعدد التيارات، وتكثر الرؤى والأفكار، قد يجد الإنسان نفسه في حيرة من أمره، فأي الاتجاهات يتبع وأي التيارات يعتنق، وأي الرؤى والأفكار يتبنى، لاسيما أننا في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، والغث مع السمين، والتف الناس حول الصادق والكاذب والمنافق والواضح إلى درجة أعمت أعين الكثيرين عن الحقيقة.
فهناك صنف من الناس يدور في فلك الحكومة وسلطة المسؤولين، ويدافع عنهم، وهناك مجموعة من المثقفين يؤيدونهم بالرأي، وهناك جموع كثيرة تفضل الحديث في صمت دون البوح أو الكلام بما تخفي صدورهم، وهناك المجموعات المعارضة وإن تعددت وتنوعت إلا أنها ضعيفة الصدى وتسير على استحياء.
لذلك فضلت الاختيار الصعب مهما كلفني ذلك، وهو أن أكون نفسي بأفكاري النابعة من داخلي دون تغير، فلا أدور في فلك المؤيدين للمسؤولين وهم المنافقين الذين يتجاهلون الحقيقة، ولا أركن للصامتين الذين هم مخدرين عن الحقيقة، وفي نفس الوقت لا أتعاون مع المعارضين الذين يعارضون على استحياء بلا فعالية.
ولعل قناعتي بقضيتي نابعة من الخطر العظيم والأمر الخطير الذي يهدد أمن واستقرار كويتنا الحبيبة، ونابعة من الاغتيال الصامت للوطن الحبيب على مرأى ومسمع المسؤولين، ونابعة من الطريق الخاطئ الذي دفع فيه الوطن على أيدي المسؤولين بلا رشد أو تأمل أو تفكير، ومع أن اختياري صعب إلا أنني لن أندم ولو للحظة على هذا الاختيار، فلا نافع ولا ضار إلا الله، وقد رفعت الأقلام وجفت الصحف وقال تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
إن الاستمرار بنفس السياسات ونفس الاستراتيجيات في الإصلاح الذي لا يأتي أبداً إلى الآن، وهذا معناه فناء الكويت وانتهاء أمر الوطن الغالي الذي وقع ضحية تآمر وجهل هؤلاء المسؤولين، فالأمر تعدى زعزعة أمن الوطن واستقراره، وجوانب الخطورة تكمن في عدة أوجه.
الوجه الأول:
غياب الديمقراطية الحقيقية

إن الديمقراطية ليست الشعارات الرنانة التي ليس لها مضمون والتي يرددها المسؤولون كل صباح ومساء، فالديمقراطية ومن وجهة نظرهم لا تتجاوز المعنى الروتيني الشكلي، فلا يوجد ديمقراطية حقيقية دون عمق اجتماعي لها، يتطلب حرية واستقلالية تامة ولا يتحقق ذلك إلا بديمقراطية حقيقية، وهي ديمقراطية توزيع ثروة المجتمع بصورة عادلة، وفي ظل عدالة اجتماعية تضمن حقوق الأغلبية المدافعين عن استقلال الوطن وحريته وهم من يصنعون مجد الوطن.
فالديمقراطية هي السلاح الحقيقي للحشد والتعبئة لتحقيق حلم الوطن ونجاحه وتقدمه، وهي التي تنظم صفوف الجماهير من مختلف الفئات والطوائف والمذاهب من أجل الدفاع عن حقوقهم وعن بلادهم، وهي التي تدفع المواطن للشعور بالاستقرار، والاستقرار الحقيقي نابع من الديمقراطية الحقيقية والحرية الفعلية، وللأسف الشديد لقد تم اغتيال الديمقراطية من سنين.
فالديمقراطية التي نعيشها الآن هي ديمقراطية مزيفة تدعو للاستبداد وتسمح للمسؤولين العبث بمصيرنا والتدخل في مستقبلنا، بل وتسمح للخارج العبث بنا والتدخل في صنع مصيرنا، إنها ديمقراطية مقنعة لأن ما يحدث الآن هو اغتيال منظم للديمقراطية الحقيقية جعلنا نفقد معنى الحرية ونسلم الأمر لمسؤولين لا ينفذون آمالنا ولا طموح وطننا، نعم هذه الديمقراطية المزيفة تزيد الاحتقان بين الطبقات المهمشة المقهورة والمسلوبة حقها من أبناء الشعب، الطبقات التي ضاع منها حلمها بالمستقبل، وهنا تكمن الخطورة حيث إنه سوف يأتي يوم وتتحرك فيه هذه الطبقات وتتدخل بنفسها لإحداث الإصلاح.
الوجه الثاني:
عدم توازن قوى الطبقات الاجتماعية

في غياب الديمقراطية تلجأ الطبقات المختلفة في المجتمع إلى الصراعات الشرسة فيما بينها، لأنه مع غياب الديمقراطية لن تكون هناك تسوية سياسية تنظم العلاقة بين تيارات وفئات وطبقات الشعب، ولا توجد سياسات تحفظ مصالح الطبقات المختلفة، وليست هناك الآلية التي تنظم قوى المجتمع وتنظمها، وفي نفس الوقت لا توجد قوة حقيقية تؤدي إلى مشروعية السلطة وتدافع عن حقوق المواطن، وبالفعل فالواقع الذي نعيشه الآن يُعلي من شأن المصالح الشخصية على حساب المصلحة المجتمعية، ويُعلي من أساليب الفساد كانتشار الواسطة والمحسوبية وشتى أنواع الفساد على الالتزام بالقانون، لأن الديمقراطية الزائفة تؤدي إلى عدم حدوث توازن بين قوى المجتمع مما يؤدي بنا في النهاية إلى الهاوية، وما نسمع من إصلاح لن يأتي ولا يأتي إلا بالعودة إلى الديمقراطية الفعلية.
الوجه الثالث:
الركون إلى الحكم البوليس
ي
عندما يتعمد المسؤولون العمل على تكريس مبدأ الطاعة المطلقة دون نقاش من الشعب، ويعتبرون أن أي معارض أو مخالف في الرأي يسبب إزعاجاً كبيراً لهم، ويجب احتواؤه أو القضاء عليه، فهذا معناه أننا في دولة بوليسية، وعندما لا يكون هناك أي أسس وآليات للحوار الوطني بين المواطن والحكومة تدير الحوار والخلاف بشكل فعال وعلمي، هذا معناه أننا في دولة بوليسية، وعندما تعتمد الحكومة على العنصر الأمني كأداة للحكم دون العمل على الفصل بين السلطات فهذا معناه أننا في دولة بوليسية. أخي القارئ والمواطن لا تجعل نفسك تعيش مخدوعاً وتنظر إلى الأقنعة الزائفة، بل يجب عليك أن تنظر إلى ما وراء هذه الأقنعة وإلى الحقيقة المرّة التي نسير نحوها جميعاً في وطننا الحبيب.
الوجه الرابع:
إن المسؤولين لم يأخذوا في الاعتبار التطورات التي لحقت بالمنطقة

المسؤولون لم ينظروا يوماً إلى التطورات والتغيرات التي لحقت بالمنطقة العربية، وأداروا عنها وجوههم، فهم الآن يعيشون في عصر ديمقراطية الأشخاص المشهورين، ويعتمدون على شهرتهم باعتقادهم أن شخصية القائد هو الزعيم والرائد والأب وهو قادر على فعل كل شيء، وهو المخلص لشعبه ويستطيع مخاطبة كل الجماهير في وقت واحد، فيجب أن يعلموا أن هذه العقلية وهذا التفكير قد انتهى زمانه، فالأمر الآن اختلف، فصوت الشعوب تقدم على صوت المسؤولين وأصبح سمة بارزة في هذا العصر الذي نعيشه، هو القيادة للشعوب، وهذا هو التطور الذي لحق ببلادنا العربية بأكملها، فانظر أين ذهب المستبد (بن علي)؟!! وأين ذهب القائد (مبارك) ونظامه؟!! وماذا حدث مع (ملك ملوك أفريقيا)؟!! كما كان يلقب نفسه (القذافي)، وانظر إلى باقي الشعوب العربية الأخرى التي باتت وشيكة على إعلاء كلمتها، كشعوب اليمن وسوريا وغيرها من الشعوب، صدقوني الأمر مختلف كثيراً عما مضى، فالعقلية الحالية والتفكير الحالي والاستراتيجية الحالية في الإصلاح لن تنقذ وطننا الحبيب من الوصول إلى الهاوية، فيجب إعادة النظر وتمعن التفكير وتوخي الحذر والاعتماد على الكفاءات وتنظيم صفوف الشعب بأكمله، وإظهار إرادته والدفاع عن مصالحه العامة فوق أي اعتبارات فئوية أو شخصية، ولا يغتر المسؤولون بسلاح الإعلام الذي يشهرونه على الشعب ليل نهار ليضللوهم.

الوجه الخامس:
عدم فهم قضية الإصلاح وتهديد الشعب بعدم الاستقرار وانتشار الفتن

لم يقدم لنا المسؤولين حتى الآن فهماً واضحاً وموضوعياً لقضية الإصلاح المزعوم الذي يتحدثون عنه، فمع كل نداءاتهم المتكررة بتحقيق الإصلاح إلا أننا نُعتبر دولة من دول العالم الثالث، ولا مناص من هذه التسمية، ومن ناحية أخرى اتهام كل من يحاول أن يتدخل ويكشف كذب وزيف المسؤولين بأنه يعمل على زعزعة استقرار البلد، وكل من يعارض المسؤولين بأنه يريد نشر الفتن، وللأسف المسؤولون يلبسون الحق بالباطل وهم يعلمون الحق، قال تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون).
إن الإصلاح الحقيقي لن يتحقق إلا بتوافر عدة محاور أجمع عليها علماء الاجتماع والسياسة دون اختلاف.
أولها: ترشيد السُلطة وهو يعني إسنادها على أسس قانونية ينظم اعتلائها وممارستها وتداولها، وهو مبدأ مشروعية السلطة، وأبلغ تعبير قيل عن هذا المبدأ هو الذي ذكره عالم الاجتماع (مونتسكيو) في كتابه (روح القانون): «إن مبدأ شرعية السلطة القاضي بانسلاخها عن شخص الحاكم، كي يصبح عاملاً عليها يمارسها لحساب صاحبها الأصيل المتمثل في الدولة (الشعب)» وهذا لا يختلف في جميع الأنظمة سواء الملكية أو الجمهورية، فالسلطة تستمد شرعيتها من تمثيلها الحقيقي للشعب، وليست لشخصية المسؤولين، والآن نجد أننا بصدد حكومة تتصرف وفق ما يروق لها، دون النظر إلى تطلعات الشعب ودون تمثيل كامل له، ليس كما يظن البعض أن الحرية هي أن تعبّر عن رأيك بالكلام، بل يجب أن يكون هناك عمل منظم بين صفوف المجتمع، يعبر عنهم ويمثلهم بشكل صحيح ووعي سياسي وممارسات سياسية اجتماعية لا نجدها أبداً بيننا اليوم، قضى عليها المسؤولون فإن كان صوت الشعب لا يصل إلى الحكومة أصلاً، فالحكومة تصنع ما تراه، فعن أي إصلاح تتحدث هذه الحكومات وإسناد السلطة التنفيذية لمجموعة من الوجوه وفئات معروفة لا تتزحزح.
وثاني هذه المحاور: وهو الفصل بين السلطات (القضائية والتشريعية والتنفيذية) وهذا المبدأ مهم جداً، ولكن أليس يدعو للريبة والشك الآن، مدى الاهتمام والحفاوة بالسلطة التنفيذية دون غيرها من السلطات، وما هي مكانة السلطة التنفيذية بالنسبة للسلطات الأخرى، أخشى أن نصبح مثل بعض الدول العربية التي أصبحت هيئات الدولة جميعها في يد هيئة واحدة، وهي السلطة التنفيذية، وربما وصل الأمر لجمعها في شخصية واحدة، فما قيمة مبدأ الفصل بين السلطات إن كانت كلها تتركز في هيئة واحدة، فيجب إعلاء جميع السلطات على قدر المساواة.
وثالثها: المشاركة السياسية. وهي الدور المناط بالجمهور والواجب عليه القيام به في الحياة السياسية، من خلال قنوات المشاركة المعتادة أو الجديدة مثل (تكوين الأحزاب، الجماعات الإصلاحية، هيئات المجتمع المدني وغيرها)، ونحن الآن نجد أنفسنا أمام مسؤولين يعملون على تدني معدلات المشاركة الشعبية في العمل السياسي، ويفعلون كل الطرق لعرقلة هذه المشاركة، إذن نحن لسنا بصدد إصلاح إنما بصدد مجموعة من المسؤولين ومجموعة من الوجوه يغرقون الوطن ويضيّعون كل شيء.
لقد وصل هؤلاء المسؤولون إلى مرحلة من الخبث السياسي الذي استطاعوا من خلاله أن يخدعوا وطنهم وأن ينالوا من أحلامه في الإصلاح وأنا لا أسمي هذا خبثاً سياسياً، بل أسميه تخلفاً سياسياً، لأنه عندما يضيع الوطن لن يبق مسؤولاً ولا مواطناً.
والآن إلى أين نحن نسير؟!! لقد كرّس هؤلاء المسؤولون مبدأ انعدام الولاء السياسي للمواطن داخل الدولة، فأصبح الجميع يلجأ إلى قوى أخرى مثل القبيلة وغيرها، بدلاً من الاحتماء بالدولة، وإعلاء قيمة الوطن، لقد شكك هؤلاء المسؤولون في مشروعيتهم باستيلائهم على هذه المناصب، لأنهم لم يرضوا شعوبهم ولم يمثلوهم ولم يحققوا حلمهم في الإصلاح، واختاروا اخضاعهم بالضغط بدلاً من تفهم معاناتهم، وقضوا على مشاركاتهم في الحياة السياسية، لقد عجزت هذه الحكومة عن توزيع الموارد والقيم الاقتصادية المتاحة بين أفراد المجتمع.
إن ما وصلنا إليه الآن هو نابع من تدهور سياسي، دب في أرجاء وأركان الدولة، أدى إلى تقطيع أوصالها، وهذا يمثل خطورة كبيرة إذا تزامن مع التحديات الخارجية التي تلاقيها كويتنا الحبيبة، ولازال المسؤولين يتعاملون بعقليات وبفكر بائد لن يسعف وطننا ولن يلبي احتياجاتنا، ولن نصل في ظله أبداً إلى بر الأمان .
وللاسف الشديد هم يعتبرون أن ما يقولونه قرآن منزل، ولا يجب الجدال فيه، أو يعتبرونه قدراً لا يجب تغييره، أو التدخل لمعالجته، فكأنهم يقولون لنا هذا هو الوضع وهذا هو الواقع وهذا هو القدر، أي (رفعت الأقلام وجفت الصحف).
وأنا أقول لهم لا يمكن تحقيق الإصلاح إلا بأشخاص يؤمنون فعلًا بالإصلاح الجذري، وتجمعهم المصلحة العامة في تنفيذه، وإن حُلم الوطن أكبر من جميع المسؤولين والشخصيات التي تعمل لحسابها الخاص.
مقال الشيخ
مشعل مالك محمد الصباح
جريدة الوطن الصفحة الأولى 17-10-2011

على تويتر - http://twitter.com/#!/meshalmalek
رابط المقال على جريدة الوطن  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق