الاثنين، 24 أكتوبر 2011

البطانة الفاسدة والذهاب إلى المجهول من المقالات المنشورة للشيخ مشعل مالك محمد الصباح

إذا بحثنا عن كلمة بطانة في معاجمنا العربية سوف تخبرنا عن المعنى الحقيقي لهذه الكلمة التي زاد استخدامها في يومنا هذا والتي ترددت كثيرا على ألسنة الدعاة الذين يدعون لولاة الأمور في جميع المنابر (ألهم أرزق ولاة أمورنا البطانة الصالحة) فنجد أنها في لسان العرب أن الباطِنةُ عكس وخلافُ الظاهرة وبِطانةُ الرجل هي خاصَّتُه، وأَبْطَنَه أي اتَّخَذَه بِطانةً إذا جَعَله من خَواصه.
وبعيدا عن معنى الكلمة نريد أن نعلم ما هي الشروط الحقيقية التي يجب أن تتوفر في الذين نطلق عليهم كلمة بطانة وهم خاصة الملك أو الأمير أو الرئيس أو أي مسئول، ولعل أعظم مرجع يمكن أن نرجع إليه ونعتمد عليه هو كتاب الله وبعده السنة النبوية المشرفة حتى يظهر لنا جليا الخطوط العريضة لاختيار البطانة.
قال تعالى: ("يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ" ) إذن لا يجوز أبدا أن يتخذ الحكام أو ولاة الأمر أو المسئولون بطانة من (الكفار وأهل الكتاب وأهل الأهْوَاء وذي المصالح الخاصة والفاسدين) ولأن البطانة تكون بمثابة القرين للحاكم فيجب أن يختارها بدقة ويجب أن يتوخى الحذر في اتخاذ أي إنسان بطانة يقول الشاعر :
عن الْمَرءِ لاَ تَسْألْ وَسَلْ عن قَرِينهِ فَكلُّ قَرِينٍ بِالمُقارن يَقْتَدِي
فلا ينبغي أن يتخذ الحاكم أو ولي الأمر أو المسئول دخلاء السوء والفساد قرناء له ولا يجوز اختيار البطانة بشكل عشوائي إلا بعد أن يتحرى صلاحهم وسيرهم على الطريق الصحيح وذلك لأن أي حاكم أو ولي أمر أو مسئول له بطانة بل له بطانتان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى)
ويجب أن تكون هذه البطانة غير منافقة لأنه في كثير من الأحيان تنقل البطانة للحاكم شيء أخر غير الذي تراه على أرض الواقع، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن ناسا قالوا له إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم ؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري، فيجب أن تكون البطانة صادقة ولا تنافق الحاكم حتى تنقل له الصورة الصحيحة والواقع كما هو بالفعل.
ويجب أن تتسم البطانة بالصلاح وإعانة الحاكم على الحق والخير فكل ما سبق تنبيه لمن ولي أمرا من أمور المسلمين أن يختار الوزير الصالح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (‏من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه) والبطانة هي كل من يدخل على الحاكم خلوته وقد فسّرها ابن حجر بالدخلاء، جمع دخيل وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، يفضي إليه بسره، ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه أي ليس الوزراء فقد.
ويجب أن تتبع هذه البطانة الحق وتكون راشدة ومؤتمنة فإذا استشارهم الحاكم أعطوه الرأي الصحيح الذي فيه مصلحة الجميع وهذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد جاءت فاطمة بنت قيس إلى الرسول تستشيره في أمر خاص بها حينما قالت :فَخَطَبَنِي خُطَّابٌ مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَبُو الْجَهْمِ" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا مُعَاوِيَةُ تَرِبٌ خَفِيفُ الْحَالِ، وَأَبُو الْجَهْمِ يَضْرِبُ النِّسَاءَ ، أَوْ فِيهِ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ، وَلَكِنْ عَلَيْكِ بِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ " أَوْ قَالَ : " انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، ولا يعتبر ذلك غيبه لهم لأن ذلك بهدف النصح والإرشاد وما فيه من المصلحة أكبر بكثير من الضرر الناتج من السكوت عنه فالمشورة أمانة قال صلى الله عليه وسلم " المستشار مؤتمن"، وفي حديث أخر" من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه"
إن الحاكم الذي لا يتحرى الدقة في اختيار بطانته حتى تكون بطانة صالحة عليه الذنب الأكبر والأثم الأكبر من جراء ما تفعله به البطانة الفاسدة ولقد رأينا بأم أعيننا ما فعلته البطانة الفاسدة على أرض الواقع على الحكام والحكومات أنظر إلى الانظمة على مدى التاريخ وماذا فعلت بهم البطانة الفاسدة ومجموعة من الوجوه التي لا تتغير فعلا لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (‏من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا).
إن ما نجنيه من وراء البطانة الصالحة كل خير والاستقرار وتحقيق التنمية والسداد في الرأي والمشورة الصادقة التي تفيد الوطن أما ما نجنيه من وراء البطانة الفاسدة هو الخراب بعينه الخراب الذي يصل لدرجة أهمال شئون البلاد والاطاحة بحاكمها.
إن للبطانة الفاسدة علامات وسلوكيات إذا انتشرت في المجتمع فهذا معناة على وجود هذه البطانة الفاسدة وتمكنها من الحاكم أو أولي الأمر أو المسئولين وأول هذه العلامات أن يعيش الشعب في وادي وتكون الحكومة في وادي أخر فلم يعد هم الحكومة العمل على تحقيق مصالح الناس بل همها الرئيسي العمل لمصالحها الشخصية فلا تهتم باستطلاع الأراء ومشاركة المواطن مشاكله وحلها والعمل على تذليل العقبات التي تواجهه ولكنه تضع الكثير من العقبات وتريد من المواطن يعمل جاهدا لتخطي هذه العقبات.
عندما تتأخر التنمية في البلاد فهذا معناه أيضا أن هناك بطانة فاسدة تعمل على إهدار المال العام وتعمل على تقديم الآراء الكاذبة التي تؤدي إلى توقف التنمية مما يؤدي إلى خراب البلاد تدريجيا ولا مبالاة من الحكومة.
عندما تكثر المعارضة وتزداد الانتقادات الموجهة إلى الحكومة ولا تأخذ هذا بعين الاعتبار ولا تقوم بتصفية هذه الاتهامات وتفنيدها وإثبات عكسها للمواطنين فهذا معناة أن المعارضة على حق وأن الانتقادات في محلها وأن هناك بطانة فاسدة لا تقدم المشورة السليمة ولا الرأي السديد الذي يجعل المواطن يشعر بالثقة.
عندما نعاني من نفس المشاكل التي طالما عانينا منها السنين الماضية فهذا معناة أن هناك بطانة فاسدة لا تهتم بحل المشاكل التي يعاني منها المواطن أو أنها بطانة لا تستطيع أن تقدم المشورة السديدة للقضاء على هذه المشاكل فمن الأولى الاستغناء عنها.
عندما ينحدر التعليم عام بعد عام وتكون هناك وزارة شكلية للصحة لا تستطيع أن تقدم خدمات حقيقية للمواطن وعندما يختفي دور الإعلام الوطني الحكومي وعجزه عن التواصل مع المواطنين وعندما تكون الدولة مصنفة من حيث الاستهلاك على العالم ويوجد بها وزارة للصناعة والتجارة وعندما تزداد الانتقادات والاتهامات لكل مؤسسات الدولة فهذا معناة أن هناك بطانة فاسدة نعم لا يستطيع أن يصدق عاقل بعد كل هذه السلوكيات والوقائع التي نراها بأم أعيننا بأنه لا يوجد هناك بطانة فاسدة فالواقع يقول أننا فعلا بصدد بطانة فاسدة.
والمواطن العادي الذي يقوم بإنجاز أي معاملة من أي مؤسسة من مؤسسات الدولة يظهر له جليا من السلوكيات العامة في المؤسسات أنه بصدد بطانة فاسدة لا تستطيع أن تقدم الرأي السديد ولا المشورة الموفقة التي تنقذ الدولة من تبعات الفساد والتدهور والذهاب إلى المجهول.
رابط المقال على الجريدة
الصفحة الرسمية على الجريدة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق