الثلاثاء، 20 مارس 2012

مجتمع مدني حر أو دولة مستبدة مقال الشيخ مشعل مالك محمد الصباح في جريدة عالم اليوم

مجتمع مدني حر أو دولة مستبدة كتب الشيخ/ مشعل مالك محمد الصباح

إننا نتفاجأ كل يوم عندما نقرأ الصحف بانعزال المسؤولين عن الواقع واستمرارهم في تخدير وخداع بل والاحتيال على المجتمع المدني فالجميع قرأ هذا الخبر (الكويت تؤكد أمام مجلس حقوق الإنسان أن من أهم أولوياتها الديمقراطية مشاركة المجتمع المدني لما له من أثر بناء في التنمية على المستويين الوطني والدولي).
بداية بدون منظمات المجتمع المدني تصبح الدولة شمولية والدولة الشمولية هي التي تستولي فيها فئة واحدة على كامل السلطة، لذلك منظمات المجتمع المدني التطوعية من واجبها أن تحدث توازنا في الدولة بين سلطة الدولة من جهة والمجتمع من جهة أخرى، لأن تمادي السلطة المسيطرة بدون تدخلات من المجتمع المدني - في حالة التجاوز - يصنع من السلطة قوة غاشمة ظالمة مستبدة دكتاتورية لا ترى إلا نفسها في إدارة البلاد من الناحية السياسية بل وتتجرأ على إدارة حياة الأفراد الشخصية أيضا.
إن المفهوم الأصلي لمصطلح المجتمع المدني هو “المجتمع السياسي” الذي يحكمه القانون تحت سلطة الدولة، ولكن بسبب الظلم الشديد الواقع على المجتمع المدني في كثير من دول العالم ولاسيما الدول العربية ومنها دولة الكويت وهذا الظلم من قبل السلطة التي تمثل الدولة جعلت الكثير من الناس يميزون بين الدولة كسلطة من ناحية، والمجتمع المدني من ناحية أخرى والمجتمع المدني هو عمل الجمعيات التطوعية والاتحادات مثل النوادي الرياضية وجمعيات رجال الأعمال، وجمعيات حقوق الإنسان، واتحادات العمال وجميع الاتحادات الأهلية والنقابات ....ألخ.
وكما يقول المفكر الإيرلندي إدموند بيرك “الاحتيال هو الوزير المستعد للظلم” لأن احتيال المسؤولين في السلطة على المجتمع المدني للحد من دوره هو في الأساس قضاء على مبدأ الشفافية والمساءلة وهذا هو عين الظلم الذي تمارسه السلطة على المجتمع الذي يعتبر الأسرة الكبيرة التي تجمع الناس كما قال إدموند، فكيف بفئة صغيرة تسيطر على السلطة أن تظلم الأسرة الكبيرة وهي كل المجتمع.
المجتمع المدني هو الذي يؤكد على مبدأ الشفافية والمساءلة متلازمان يعزز كل منهما الآخر ففي غياب الشفافية قد تصعب المساءلة، وفي غياب المسائلة فلن يكون للشفافية أي قيمة، فهو القائم على محاسبة الدولة في جميع الأوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها إذا تم اختراق الحياة النيابية ومؤسسات الدولة الأخرى لصالح السلطة، لذلك تعمل السلطات الكويتية على القضاء على أي مبادرات للمجتمع المدني داخل الكويت.
نحن لا نطلب من الدولة أن تترك المجتمع المدني يتصرف كما يشاء وتسمح باختراق الدولة من خلاله، ولكن أيضا لا نطلب منها أن تقضي عليه نهائيا فإن المجتمع المدني الذي هو في الأصل المجتمع السياسي الذي يحقق الشفافية والمساءلة أصبح الآن ليس له أي علاقة بالحياة السياسية بالكويت بسبب الممارسات التي تمارسها السلطة عليه من خلال الحد من انتشاره وتواجده وتأثيره في الحياة السياسية.
المجتمع المدني القادر على تحقيق مبدأ الشفافية والمحاسبة والمساءلة والحفاظ على التوازن بين السلطة والشعب بأعماله التطوعية يمكن أن تتم مراقبته بطريقة غير مباشرة حتى يكون مستقلا يتسنى له أن يقوم بدوره، ولكننا للأسف نرى أن جميع منظمات المجتمع المدني داخل الكويت شكلية أغلبها للعمل الخيري بعيده عن الحياة السياسية وبالتالي فإننا في نظام أشبه بالشمولي مع وجود مجلس يسهل اختراقه.
لقد تحولت جميع مؤسسات الكويت إلى مؤسسات شمولية تسيطر عليها فئات قليلة تقضي على من سواها بالتهميش والاستبعاد وكل ذلك بسبب الممارسات التي من شأنها إضعاف تأثير المجتمع المدني بل والقضاء عليه.
نحن لا نستبعد أن يفرض المسؤولون وصاية على حياة المواطنين الخاصة بعدما أقاموا نظاما مبنيا على التمييز يتبنى مبدأ الشمولية وتحكم فئة صغيرة في مصير الشعب، هذا التمييز الذي لحق بمؤسسات الدولة وجعل الإضرابات مثل النار في الهشيم، حتى وصل فكر التمييز إلى الأسرة الحاكمة حيث استبعد البعض على حساب البعض الأخر ولم يسمح بظهور أي صف ثان للتحرك في أي نشاط مدني منظم لخدمة البلاد.
وأخيرا فإنه إذا استمرت سياسة المسؤولين تجاه المجتمع المدني كما هي فهذا معناه بناء دولة ذات اتجاه تقهر وتظلم المواطنين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق