الاثنين، 16 يناير 2012

سياسة خلق الأزمات مقال الشيخ مشعل مالك محمد الصباح جريدة عالم اليوم

حيث العقل لا يخاف، والرأس مرفوع والمعرفة حرة، وحيث تخرج الكلمات من أعماق الحقيقة هذه الكلمات مطلع لقصيدة قالها المفكر الهندي طاغور، فقد وضع يده على قلب الحقيقة حيث وضح أن الوطن لا يستيقظ من نومه ولا يكون له دور إلا إذا كان الفكر حرا ولا يوجد هناك أي ممارسات للتخويف أو الترهيب أو الحجر الفكري أو الكبت الفكري.
فإذا خاف العقل يتم فرض عليه طريقة واحدة في التفكير واتجاه واحد في التفكير هو اتجاه السلطة التي تسيطر على جميع الأشياء حتى على الأفكار في العقول، ولعلنا إذا نظرنا الآن إلى ما نحن عليه وما وصل إليه الوطن نجد أن العقل لا يخاف مرة واحدة بل يخاف مئات المرات، فبين مغرد يعبر عن رأيه في تويتر يتم استعداؤه لأنه فكر في شيء لا يريده المسؤولون، وبين محاولات من وزارة الداخلية أن تجعل هناك نوعا من السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي وإغلاق ما تريد منها بدعوى وحجج مختلفة لا يعلمها إلا هي، مثل أن تفتعل أسباب ظاهرية لتبرير الفعل الرئيسي وهو وضع قيود على فكر المواطن وتخويفه وترهيبه.
وكانت الطامة الكبرى حيث أصبح يتم ترهيب النواب وهم من يمتلكون حصانة للرأي أي يفكرون كما يشاؤون ويعبرون كما يشاؤون طالما أنهم تحت قبة البرلمان وكانت هذا النوع من الترهيب من خلال شطب نائب لأنه كشف عن حقيقة فساد تحت قبة عبدالله السالم، والتي يجب أن توفر له قدر من الحصانة التي تتيح له التعبير عن رأيه وتتيح له التفكير الحر المطلق المستقل بعيدا عن أي تأثيرات.
للأسف الشديد لقد استطاع المسؤولون بهذه السياسات التي هي ضد حرية الفكر وحرية العقل أن يخلقوا أزمة جديدة تجعل الناس يتشككون حتى في القضاء الذي هو ملاذ الأمة وملجأها في حالة وقوع ظلم أو ما شابه ذلك.
واستطاع أن يعلم المفكر الهندي طاغور أيضا أن حرية الفكر والعقل الحر يجب أن يعيش بكرامة فقال حيث الرأس مرفوع فأي وطن يجب أن يتمتع مواطنوه بقدر من الكرامة والرقي الذي يجعلهم مواطنين ينتمون لهذا الوطن ويعملون على إيقاظه والدفاع عنه ولكن إذا نظرنا إلى ما يجري على أرض الكويت نجد أن استدعاء المواطنين للتحقيق عادة سيئة تستهدف جزءا من الناس دون جزء واصبح هناك فرق شاسع في التعامل مع طبقات المجتمع فهناك تمييز طبقي حيث جميع الامتيازات والإمكانيات تمنح لطبقة واحدة من المجتمع هي طبقة المال والسلطة فأصبحت هناك فجوة بين هذه الطبقة وطبقات المجتمع الأخرى البسيطة التي تشعر بالحزن والأسى وربما بالقهر والذل بسبب هذه السياسات التي تخلق الأزمات أكثر مما تعالج الأمراض والمشاكل.
حتى أصحاب الرأي وجدنا من يسحل على الأرض ورأينا من يمنع من حقوقه الدستورية بالقوة ومن يتم تهديدهم لممارسة حق طبيعي أو الدفاع عن مبدأ عام من المبادئ التي يسعى الجميع لتحقيقها.
إن أي عقل حر يجب أن يتمتع بقدر كاف من الكرامة التي تعتبر البيئة الصحية التي يعيش فيها هذا العقل وهذا الفكر الحر الذي يبذل كل جهده لإيقاظ الوطن.
وذكر طاغور أيضا أن هناك شرطا أساسيا لكي يستيقظ الوطن أن تكون المعرفة حرة والمعرفة هنا هي مصادر المعلومات  حيث لا تكون حكرا على إنسان معين أو لا تحجب عن فرد من أفراد المجتمع ولابد أن تكون هناك مرونة في كيفية الحصول على المعلومات من الدولة حيث لا يصبح المواطن آخر من يعلم أو لا ينبغي أن يعلم كما يحدث الآن في وطننا العزيز، فكل يوم يصبح  المواطنون على قضية جديدة من قضايا الفساد تفجر في وسائل الإعلام تزيد من قلقهم وخوفهم وتجعلهم يفقدون الثقة في جميع المسؤولين.
إننا نعاني من عدم تداول المعلومات وكيفية الحصول عليها فجميع ممارسات السلطة تسير بسرية تامة وفي الخفاء ولا رقابة عليها وكأن المواطن لا ينبغي له أن يعلم، وكأنه ينتمي لبلد آخر هذا ما خطط له المسؤولون ونفذوه بالفعل.
ومن الشروط أيضا التي يراها طاغور تعمل على إيقاظ الوطن من نومه أن تخرج الكلمات من أعماق الحقيقة حتى تظهر للجميع السلبيات والإيجابيات كما هي ولا يتم غش المواطن.
ولكننا نجد الآن الكويت تعيش عصرا مليئا بالفتن فنجد وسائل الإعلام كل يغني على ليلاه وينسى مصلحة الوطن وينسى مكافحة الفساد وينسى مشكلة النهوض بالوطن ونجد المسؤولين يتحدثون عن أشياء ليس لها أساس من الواقع فعادة ما يكون فعلهم عكس تصريحاتهم فخلقوا نوعا من التناقض الذي أضاع هيبة الدولة.
نحن نريد عقولا تتصرف دون خوف ولا تمارس عليها أي ضغوط، وأن يكون الرأس مرفوعا فلا يهان أي مواطن حتى ولو بالكلام، وأن تكون المعرفة حرة وتتوفر سهولة انتقال المعلومات وتكون هناك شفافية تتيح للمواطن مراقبة المسؤولين ومتابعة تنفيذ السياسات وأن يكون لديه قدر من الاطمئنان وعدم الشك الدائم في المسؤولين وفي النهاية أن يتمتع الجميع بالصراحة الكافية فتكون تصريحات المسؤولين حقيقية ووعودهم مؤكدة دون التفاف أو تحايل أو خداع أو مؤامرات كما يحدث الآن.
نحن نعيش في عصر سياسات لا تصنع إلا أزمات ولا نجني من وراها إلا تأخير البلاد وزيادة الفتن والقضاء على القوانين ومحاربة الحريات وأصحاب الرأي الآخر فهذا عصر سياسات لا تعترف إلا بالخداع والمؤامرة والالتفاف والتمويه.
نحن نريد عقلا آمنا لا يخاف أن يفكر، ورأسا مرفوعا لا يهان للدفاع عن الحق أو المطالبة بإصلاح ومعرفة حرة تتوفر للبعيد والقريب، وشفافية وصراحة مطلقة تجعل الكلمات تخرج من أعماق الحقيقة.
على تويتر -  @meshalmalek
رابط المقال على جريدة عالم اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق