السبت، 23 يونيو 2012

انقلاب على المبادئ العامة مقال للشيخ مشعل مالك محمد الصباح

في ظل التطورات الإقليمية والعالمية الحالية لا يمكن أن نعتبر جميع الأنظمة في العالم تحافظ على المبادئ العامة، وإذا افترضنا ذلك فإننا نكون معزولين عن الواقع، فهناك الكثير من الوقائع التي سجلها التاريخ ولا يمكن لأحد أن يمحوها توضح دفاع أنظمة عن مبادئ غير شرعية، ولكن المجتمعات الذكية هي التي تستعد لمواجهة أي نوع من الانقلاب على المبادئ العامة، وذلك من خلال التحضير الجيد لمواجة الفاسدين، لأن التحضير يؤدي إلى الوقاية والوقاية خير من العلاج.
فجميع دساتير العالم تعتمد على المبادئ العامة التي توفر للإنسان المحيط الصحي من العدل والمساواة والحرية والحفاظ على الحقوق والالتزام بالواجبات، وكذلك الدستور يحدد شكل الدولة ونوع نظام الحكم وشكل الحكومة، وينظم السلطات العامة في الدولة، وكل هذا من دافع الحفاظ على المبادئ العامة لأنها هي الضمانة الحقيقية للاستقرار والتقدم والازدهار.
وللاسف الشديد سياسة الانقلاب على أي نوع من الإصلاح والانقلاب على المبادئ العامة سياسة متأصلة في السلطة الكويتية، حيث دائما تحاول السلطة احتواء أي نوع من التحركات الإصلاحية المعبرة عن إرادة الشعب من خلال إيجاد غطاء شرعي يبرر قرارها السياسي أمام الناس، وهذا إن كان قد حدث مؤخرا مع الحركة الإصلاحية الأخيرة إلا أنه يعبر عن سياسية معينة في التعامل مع الإرادة الشعبية، حيث تم تفريغ الحركة الإصلاحية من مضمونها، بتبرئة المتورطين في قضايا الفساد وتحجيم دور هذه الحركة، من خلال الإعلام واستخدام النفوذ المفرط للدولة مما حول هذه الحركة لمجرد كتلة برلمانية لا غير، تسعى لإيجاد أزمات وإيجاد مشاكل أكثر مما تسعى إلى إيجاد حلول وبدائل، وتتناسى السلطة الدعم الشعبي لهذه الكتلة التي جعلتها حركة تفرض رأي سياسي بل هو الأقوى من نوعه في تاريخ الكويت.
إن عدم تمكين قوى الإصلاح ومعاونة الفاسدين بإخفاء الأدلة أو باختراق المؤسسات أو بالتحايل على القانون ما هو إلا نوع من الانقلاب على المبادئ العامة التي يجب أن يتداركها الشعب قبل فوات الآوان، وأن يحضر لها آليات ونوع متقدم من التعامل قبل أن يضيع الجميع.
وأيضا إلى الآن لا تقر السلطة بأن الشرعية الحقيقية هي شرعية الشعب، ويظهر ذلك من عدم قبولها لكثير من التطلعات الشعبية وعدم قبولها للرأي العام والحركات الإصلاحية، وقبل كل ذلك عدم قبولها للنموذج الصحيح لتعبير الشعب عن نفسه، فنجد السلطة إلى الآن تتبع نظم انتخابية قديمة لا توفر الديمقراطية الحقيقية، ولا توفر للشعب اختيار إرادته السياسية وحكومته وفي نفس الوقت تكرس لمبدأ السلطة المطلقة الذي يفسد أي دولة مهما كان صلاحها، كل هذا من قبيل الانقلاب على المبادئ العامة التي يقرها الدستور وتقرها الأديان ويقرها الناس جميعا على اختلاف ألوانهم وأقطارهم.
كذلك التمييز الصارخ الذي تمارسه السلطة تجاه المواطنين، حيث لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تقوم السلطة بمحاسبة أعضائها أيا كان نوع الجرم الذي ارتكبوه، وهذا يقودنا جميعا إلى التقرير بأن مبدأ الفصل بين السلطات غير موجود وتحيطه الشبهات وهناك اختراق واضح لمؤسسات الدولة، وهذا بلا خلاف يعتبر نوع من الانقلاب على المبادئ العامة التي تؤصل وتأكد على المساواة وتحقيق العدالة.
وأخيرا وليس أخرا غض السلطة الطرف عن أعضائها الفاسدين والبطانة الفاسدة داخل مؤسسات الدولة وفي الديوان الأميري وديوان ولي العهد والسماح لهم بالتدخل في مؤسسات الدولة يؤكد على انيهار مبدأ المساءلة وانعدام مبدأ المساواة، وهذا يمثل انقلاب على المبادئ العامة الذي تباركه السلطة لأنها هي في الأصل انقلبت على نفس المبادئ.
إن هذا النوع من الإنقلاب الصارخ على المبادئ العامة التي تقوم به السلطة، يمثل أكبر خطورة على دولة الكويت ويهدد أمنها واستقرارا أكثر من التحديات الخارجية، ويجب أن يكون هناك تحضير شعبي واعي ومنظم لمواجهة هذه التحديات الداخلية التي مارستها السلطة لفترة كبير من الزمان.
لأن المبادئ العامة هي الأسس الحقيقية التي لا تستقر دولة بدونها لذلك لا ينبغي التخلي عنها مهما قدمت السلطة من مبررات ومهما حاولت بكل أجهزتها وبكل مؤسساتها أن تفرض نوع من التمييز أو نوع من الحماية للفاسدين، لأن المبادئ العامة نابعة من الشعب وتستند إلى شرعية الشعب، وأي مبررات أخرى تقوم بها السلطة نابع من أهواء وخيال المسئولين، ولا يمكن أن تتصدى الأهواء والخيال إلى إرادة الشعب صاحب السلطة الأصيل والمدافع عن المبادئ العامة.
الشيخ مشعل مالك محمد الصباح
تويتر meshalmalek@
رابط المقال على جريدة الآن الإلكترونية

هناك تعليق واحد: