الخميس، 12 يوليو 2012

أفراد خارج دائرة المسائلة مقال للشيخ مشعل مالك محمد الصباح

أفراد خارج دائرة المساءلة 

المساواة هي التطابق والمماثلة بين الأفراد في الحقوق والواجبات وفق القاعدة القانونية التي تنظم  العلاقات الاجتماعية، وعلى قدر احترام الدولة للقانون وإعلاء مبدأ سيادة القانون تأتي أهمية المساواة، وتصبح ذات مكانة مرموقة والعكس صحيح، ونجد لضرورة توافر المساواة يعتبرها الفقهاء أهم عنصر في بناء الدولة.
وهذا ما أكده «آلبرت فين دايسي» حيث يقول: «كل مسؤول بدءا من رئيس الوزراء وإنتهاء بالشرطي أو جابي الضرائب العادي يتحملون المسؤولية نفسها كأي مواطن آخر لكل عمل يقومون به دون مسوغ قانوني»، أي أن كل عمل يقوم به المسؤول أيا كان دون مسوغ قانوني يعتبر دون مبرر قانوني أو خارج عن إطار القانون فيجب أن يسألك عن ذلك.
ولكن عندما ننظر إلى الواقع الذي نعيشه في دولة  الكويت نجد أن السلطة تكرر نفس الخطأ، وتهدم الكثير من المبادئ العامة الضرورية لبناء الدولة، فتقضي على مبدأ المساواة وتقضي على مبدأ إعلاء سيادة القانون، وهناك الكثير من الأحداث في فترات مختلفة تدل على ذلك.
ان المواطن في دولة الكويت لا يعامل مثل المسؤول، والذي جعلنا نجزم أن المساواة في الحقوق والواجبات ليس لها أي أساس على أرض الواقع، هو تبرئة مسؤولين في قضايا فساد معروفة، وتمييزهم بصلاحيات لا حصر لها ولا عدة، وإبعاد أعضاء السلطة  التنفيذية من أصغر فرد إلى أكبر فرد من أي مسؤولية جنائية أو قضائية، وطبعا هذا التنازل ثمن لاستخدامهم في أغراض سياسية بعيدة عن تحقيق الأمن والجميع يعلم هذه الأغراض، وعلى النقيض تأتي معاملة السلطة للمواطن العادي، حيث نرى إزهاق روح مواطن آمن في وطنه والعجيب أنه في معقل السلطة التنفيذية وهي وزارة الداخلية ووسط جدران مخافرها، ونرى أيضا سحل وإهانة مواطن آخر على الأرض دون مراعاة لأي حق من حقوق المواطنة، وعندما نرصد هذا النوع من الأحداث، نجد أن السلطة تقوم بنفس الأخطاء وتعودنا جميعا منها على الدفاع المستميت العلني والخفي عن أعضائها، والحرص الشديد عليهم وفي المقابل عدم الاهتمام بحقوق المواطن وإضاعة حقه وكرامته وهذا الخطأ تكرره السلطة.
هذه الحوادث لا تدل على حوادث فردية وانتهاكات عابرة، وإنما هي نموذج يتكرر بنفس الأسلوب في فترات مختلفة يوضح لنا المعتقدات الخاطئة التي تؤمن بها السلطة، وهي التمييز وإعلاء مبدأ الغاب على  مبدأ سيادة القانون، وإلا كيف تحافظ السلطة على مبدأ المساواة وإعلاء سيادة القانون، وهناك الكثير من الأفراد الذين ضمتهم المصالح الشخصية الضيقة من أعضاء السلطة وهذا على حساب التنمية وحقوق المواطن، وأيضا وكيف تحافظ السلطة على المساواة في ظل سلوكيات الفساد بين صانعي القرارات وراسمي السياسات ومحتكري موارد الدولة وبطانتهم الفاسدة التي تدخلت في كل شيء في إدارة البلاد والتي لم يستفد منها الشعب شيئا.
إن ما نراه الآن من إهدار السلطة للمبادئ العامة يمثل الآثار الجانبية لأمراض سياسية متراكمة تعاني منها السلطة، مثل تكريس مبدأ السلطة المطلقة واضطهاد الرأي المخالف والاستبداد بالرأي الذي جعلها تضيّع حق مواطن ليس له ذنب إلا أنه عبر عن رأيه كل هذا يدل على أن هذه السلطة تتخذ من الدكتاتورية أسلوب للحكم لذلك وصلنا إلى هذه المرحلة من ضياع حقوق المواطن.
ومع تقلص حقوق المواطنين من ثروات بلادهم ومع ضياع حقوقهم إذا كانوا طرفا في نزاع بينهم وبين أحد المسؤولين، كل هذا يولد مشاعر السخط والغضب الشعبي حيث أن شريحة المهمشين اقتصاديا من موارد البلاد تزداد وكذلك تزداد شريحة المضطهدين فكريا وسياسيا بسبب الممارسات غير الدستورية والمنافية للمبادئ العامة، وكل هذا يدفع الشعب إلى إحداث تغيير إن لم يجد أمامه إلا إحداث التغيير الجذري في منظومة المبادئ غير الشرعية التي تؤمن بها السلطة.
لا يجب أن نتجاهل أبدا السلطة المطلقة التي تعلي فئات على فئات وتميز بين أبناء الوطن الواحد ويضيع فيها حقوق المواطن البسيط لأن هذه الممارسات سوف تعمل على انهيار الدولة، ولا يجب أن نسمح أبدأ بأن يكون هناك أي فرد خارج دائرة المساءلة لأن ذلك مناف لجميع دساتير العالم وجميع الأديان السماوية وجميع المبادئ العامة ويجب أن يعلم الجميع إن إخراج فرد داخل  الدولة خارج دائرة المساءلة هذا معناه السماح بظلم آلاف المواطنين الآخرين.
لا يخفى على أحد توغل السلطة داخل مؤسسات الدولة وسيطرتها سيطرة شبه تامة على جميع المؤسسات حتى سيطرة السلطة التنفيذية على الأدلة الجنائية التي ثبت فشل هذه الطريقة في الكثير من الدول، ومع ذلك نجدها متبعة في الكويت وكان  الأولى أن تكون تابع لهيئة مستقلة، ولكن يجب أن تعلم السلطة أنه في حالة حدوث استمرار لهذا الوضع فإن للشعب الكثير من الطرق التي تجعله يستعيد حقه ويفرض سيطرته ويمارس سلطته وهي السلطة الشرعية والأصيلة وأبسط هذه الطرق هي سحب التعاون.
حيث أن تعاون الشعب مع السلطة هو مصدر قوتها، فتعاون العاملين والموظفين في مؤسسات الدولة مع الإدارات العليا هو ما يجعل الدولة تسير على قدمين وكذلك التعاون في شتى المجالات وأبسط سلاح يمكن أن يستخدمه شعب تجاه أي سلطة تعتقد أنها قادرة على أن تسلبه حريته أو إرادته هو سلاح سحب التعاون الشعبي وهذا حدث في كثير من  دول العالم وفي  الدول العربية، فإن مع التطور التكنولوجي الذي حدث في العالم عرف الشعب كيف يتصرف فيما يتعلق بالقضايا الهامة حتى في حالة انقطاع الاتصال فهناك آلاف الطرق البديلة التي تجعل الشعب يفرض السلطة الشرعية وتجعله قادرا أن يجعل جميع المبادئ غير الشرعية تتلاشى وتفنى أمام إصراره وعزمه.
لقد أثبتت الشعوب المختلفة في شتى أنحاء العالم إنها لديها الآلية المناسبة لمواجهة أصعب أنواع القمع والاستبداد والأنظمة السلطوية، فأطلب من كل فرد مسؤول داخل الدولة  ألا يعلي نفسه فوق القانون أو يميز بين أبناء الوطن الواحد وأن يعيد حساباته ألف مرة إذا فكر أن يضيّع حق مواطن، وأرجو من السلطة داخل  دولة الكويت أن تنأى بنفسها عن ارتكاب نفس الأخطاء بنفس الأسلوب وبنفس النوايا غير الحسنة وإلا سوف لا نجد دولة وسوف تنهار السلطة.
الشيخ/ مشعل مالك محمد الصباح
تويتر meshalmalek@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق